
نظم في المدح وفي الهجاء، وأبدع في الفخر والوصف في صور شعرية دقيقة يكاد قارئها يجزم أنه لم ولن يكون لها مثيل أو لشخصه ند. ذاك أبو الطيب المتنبي، شاعر عباسي من الكوفة. اختلفت الروايات عن سبب لقبه بالمتنبي، فبعض الروايات قالت أن سبب تسميته بذلك هو ادعاءه للنبوة و بعض الروايات نفت ذلك متحججة بأن شاعرنا هذا كان ورعا ينزه نفسه عن كل الفواحش ولذلك استبعدوا أن يكون المتنبي مدعيا للنبوة قط.
عاش أترف أيامه في بلاط سيف الدولة الحمداني، كان الحمداني أنذاك أميرا على حلب وكان حريصا على حماية الثغور وصد غزوات الروم كما كان قريبا في السن للمتنبي. فصاحبه هذا الأخير قرابة تسع سنوات يمدحه تارة ويرثي أقاربه تارة أخرى ويعظم بطولاته وأمجاده في شعر حماسي جميل. يقال أن الوشاة الحاسدين فرقوا بين المتنبي وصاحبه الأمير فرحل المتنبي عنه، لكن شعره الجميل ضل حاضرا.
من أجمل القصائد التي كتبها المتنبي هي قصيدة يصف فيها مرضه بالحمى وعجزه التام عن فعل أي شيء. يشبه المتنبي في هذه القصيدة مرضه بعشيقة محرمة لكنها ذات حياء فهي لاتزوره إلا حين يحل الليل، وعندما تفارقه فهي تغسله وكأنها تريد أن تكفر عن ما اقترفته من ذنوب في ذلك اللقاء. يقول في بيتين من أجمل شعره يصف فيهما الحمى التي أصابته:
وزائرتي كأن بها حياءا فليست تزور إلا في الظلام
إذا ما فارقتني غسلتني كأنا عاكفان على حرام
فما أجملك وما أعظم شعرك أيها المتنبي!