
قد يعتقد العديد من الناس أن أقدم جامعة في العالم تتواجد في احدى العواصم الفكرية الأوربية حيث تتمركز معظم الجامعات العريقة والراقية، إلا أن هذا التشريف تحظى به جامعة القرويين التي تقع في مدينة “فاس” الملقبة بالعاصمة العلمية والروحية لبلد المغرب.
يُنسَب فضل إنشاء جامعة القرويين إلى “فاطمة الفهرية” الملقبة بأم البنين والتي سخرت إرثها عن أبيها “محمد الفهري” لبناء مسجد القرويين في عام 859 ميلادية الموافق 245 هجرية. في بداية الأمر اقتصرت الدراسة داخل المسجد على منح دروس وحلقات للدراسات الدينية وحفظ القرآن، ومع مرور الوقت توسعت دائرة التدريس لتشمل علوم الرياضيات والفلك والفلسفة والطب حتى أصبح المسجد جامعة متميزة وقبلة لطلاب العلم من شتى البقاع وعلى مر العصور.
تعد جامعة القرويين افتخارا للمغاربة عموما ولأهل مدينة فاس خصوصا كونها سبقت الجامعات الأوربية بمئات السنين في مجالات عدة منها اختراع وتطبيق ما يعرف بـ “نظام الكراسي العلمية” وهي عبارة عن حصص مخصصة لكل مادة على حدة، كما منحت الجامعة أول إجازة طب في العالم في عام 1207م الموافق 604هـ.
غير أن أهم ميزات جامعة القرويين التي أهلتها لنيل لقب أقدم جامعة في العالم هي كونها الجامعة الوحيدة التي دام التدريس فيها والعبادة لقرون ودون انقطاع منذ لحظة إنشائها حتى يومنا الحاضر، رغم الحروب والاستعمار والظروف السياسية والاقتصادية التي مر بها بلد المغرب.
تعتبر مكتبة “جامعة القرويين” معبر العلماء الكبار القدامى مثل ابن رشد وابن خلدون وابن حزم، كما أنها تحفظ تاريخا علميا نادرا، من بين مكنوناتها مخطوطات نفيسة تضم ملاحضات “ابن رشد” بخطه على هوامشها، ومخطوطات لـ “ابن سينا” وأخرى تضم نسخ أصلية بخط يد “ابن خلدون” لـ “كتاب العبر”. وتسعى الجامعة اليوم إلى فهرسة كتبها الكترونيا ورقمنة أرشيفها لتقديمه للجمهور العريض وللحفاظ على هذا الارث العريق لأجيال مقبلة.
فبعد 12 قرنا، لا زالت مدينة فاس وجامعة القرويين يلعبان دوراً جوهرياً في إشعاع المعرفة في العالم العربي والإسلامي وستضل هذه المعلمة التاريخية منارا علميا ووجهة مفضلة لطلاب العلم للارتواء من منابعها الفكرية والعلمية. أما عن فاطمة الفهرية فستبقى مبادرتها شاهداً لعصور قادمة على مساهمة المرأة المسلمة في بناء الحضارة الإسلامية.