
لا يُمكن أن ننكر أهمية التشجيع في حياتنا. فالكثير من الموهوبين والمُجتهدين لم يُكملوا الطريق في تحقيق أحلامهم فقط لأنهم لم يجدوا التشجيع الكافي أو التقدير المطلوب مِمن حولهم. وأن غياب التشجيع واحداً من أهم أسباب أزمات مُجتمعاتنا ونكباتنا الدائمة التي لا نعرف سببها. ويكفي أن نستدعي بعض العبارات الرائجة في الثقافة الشعبية العربية، من قبيل “كُله محصل بعضه” و”طولها زي عرضها”، حتى نتبين إلى أي مدى تهيمن الروح الانهزامية على مُعظم الناس.
لكن لِنتحدث اليوم ومن زاوية فلسفية عن التشجيع الرياضي أو التشجيع الفني، يقول بعض عُلماء النفس أن هذا النوع من التشجيع يُمكن أن ينتج عن وجود نوع من العجز “غالباً في اللا وعي” لدى المُشجع. أو قد تكون مُجرد إنحياز لا يُمكنك أن تجد لهُ سبباً وجيهاً، فإطلاقك للصيحات، وفرحك العامر، أو حزنك الشديد، ودفاعك بعصبيّة عن مصالح وأشخاص لا تربطك معهم صلة شخصية أو معرفة مُباشرة، كُلهّا عواطف إنغعالية قد تتبدل عند فوز أو خسارة، علماً بأن ليس هناك مُشاركة حقيقية أو مُساهمة فعليّة منك في هذا الفوز أو الخسارة. ومهما قيل عن مناقب فريقك المٌفضّل الذي يلعب باسم هذا النادي أو ذاك فلن يكون الأمر مُقنعًا، لأن آراء المشجعين كُلها تنبني على العاطفة والإنفعال، ولا مجال فيها للعقل أو المنطق.
إن فكرة التشجيع تتأسس على فكرة “النيابة” أو “الوكالة”. فهناك إتفاق ضمني بين المشجع والفريق أو اللاعب، بحيث يتظاهر الفريق بأنه يلعب لصالح المُشجع في حين أنه يلعب لصالح نفسه، ويتظاهر المُشجّع بأنه صاحب النصر وهو يعلم أنه لم يُساهم على الإطلاق في نتيجة المُباراة. فاللاعب ينوب عن المشجع في التدريب واللعب وبذل أقصى الجهد وينعم المشجع براحة لذيذة، عدا أنه يُشارك اللاعب في العبء النفسي السلبي “كون المُشجع يتلقى إهانات ويتعرض إلى التنمّر من مُشجعّي خصومه في حالة الهزيمة”.
نحن لا نتكلم عن التشجيع العقلاني والوقت المُمتع الذي يقضيه المُشجع أثناء مُشاهدة اللعبة مع أهلهِ وأصدقائهِ، نحن نتحدث عن التشجيع الأخرق الذي قد يؤثر سلياً على العلاقات العائلية أو الصداقة أو العمل، والتي قد تؤدي إلى القطيعة وفي بعض الأحيان العنف. لذلك، نأمل أن نكون قد سلطنا الضوء على مساوئ التشجيع الأخرق وعلى الغاية الحقيقية للتشجيع ومُشاهدة المُنافسات الرياضية.